أقوال عن الحياء وأثره

عنوان المقال: أقوال في الحياء

مقدمة

الحياء خُلُقٌ كريمٌ ومبدأٌ عظيم، قامت عليه دعائم الفضيلة في شتى الحضارات والديانات، وتميز به أصحاب النفوس الرفيعة والعقول الرزينة. لا يُعد الحياء مجرد انفعال عابر أو خجل سلبي، بل هو انعكاس داخلي لقيم عالية تُحفّز الإنسان على اجتناب الرذيلة، وتعزز سلوكه بالالتزام بالأدب والتقدير والتواضع. وقد حظي هذا الخُلق بمكانة مرموقة في أدبيات الحكماء، وأقوال الفلاسفة، وأحاديث الأنبياء، واعتُبر من أبرز خصال الخير التي لا تجتمع إلا في النفوس النبيلة. هذا المقال يتناول مفهوم الحياء عبر عصور متعددة، وينقل أبرز ما قيل عنه في الأدب والدين والفلسفة، مع تحليل لأهميته ودوره في بناء المجتمعات المتحضّرة.

مفهوم الحياء في اللغة والاصطلاح

الحياء في اللغة مأخوذ من الفعل “حَيِيَ”، وهو يدل على الانقباض والانزواء عن فعل ما يُستنكر، وهو قريب المعنى من الحياة، فالحياء كما يقول بعض اللغويين “من الحياة”، فمن قلّ حياؤه قلّت حياته القلبية والمعنوية. أما في الاصطلاح، فيُعرف الحياء بأنه: “انقباض النفس وانزجارها عن ارتكاب ما يُعاب عليه”، أو “خُلُق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حقّ صاحب الحق”.

الحياء في الإسلام

في الإسلام، يُعتبر الحياء شعبة من شعب الإيمان، بل من أعظمها، وقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“الحياء شعبة من الإيمان”

رواه البخاري ومسلم.

كما قال صلى الله عليه وسلم أيضًا:

“إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”

رواه البخاري.

وهذا الحديث يؤكد على أن الحياء ضابط سلوكي أخلاقي، يحمي الإنسان من الانحراف الأخلاقي والاجتماعي. فالحياء يحول بين المرء والمعصية، ويجعله يراقب نفسه قبل أن يُساءل عنها.

وفي مواضع أخرى من السنة، مدح الرسول الكريم ﷺ حياء الصحابة، ومن أشهرهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي قال فيه:

“ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟”

الحياء في الفلسفة والحكمة

كان الحياء محط اهتمام فلاسفة اليونان والمفكرين في العالم القديم، فاعتبروه مفتاح الفضائل، وسندًا للأخلاق.

سقراط، حين سُئل عن أسمى الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، أجاب:

“الحياء سور الفضيلة.”

أفلاطون كتب في “الجمهورية” أن الحياء أحد مظاهر العدالة النفسية، إذ يمنع النفس من التعدي على حدود الآخر أو تجاوز القيم المجتمعية.

أما أرسطو فقد اعتبر الحياء شعورًا فطريًا، وأنه دليل على وجود عقل أخلاقي لدى الإنسان، وإن لم يكن الحياء فضيلة بحد ذاته، فهو ممهد لكل فضيلة.

وفي الفلسفة الإسلامية، اعتبر الغزالي أن الحياء ينبع من الإدراك العقلي لفضل الله، ومراقبته في كل حين، حيث قال:

“الحياء ينبعث من أن يعرف العبد نِعَم الله عليه، وتقصيره في الشكر، فيستحيي منه.”

أقوال مأثورة عن الحياء

التراث العربي والإسلامي زاخر بأقوال الحكماء والشعراء في تمجيد الحياء واعتباره خُلقًا رفيعًا:

• علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

  “لا خير فيمن لا يستحيي من الناس.”

• عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

  “من لا حياء فيه، لا إيمان له.”

• عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

  “من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه.”

• الحسن البصري:

  “الحياء والتكرم من خصال الإيمان، فإذا ذهب الحياء ذهب الورع.”

• الإمام الشافعي:

  “إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ.”

• المتنبي قال في إحدى قصائده:

  “إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونهُ… وصدق ما يعتاده من توهّمِ
  
  وأصبحَ لا يرضى بـما كان فعله… ولا طيبُ عيشٍ من خليقٍ بمَندمِ
  
  إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي… ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ”

الحياء عند المرأة

الحياء في المرأة خُلق فطري، جعل منه الإسلام زينة لا تُشترى، وجوهرة لا تقدر بثمن. في الأدبيات الإسلامية، يُضرب المثل في حياء فاطمة الزهراء، وحياء زوجات النبي ﷺ، وقد قال تعالى في وصف حياء إحدى ابنتي شعيب:

“فجاءته إحداهما تمشي على استحياء”

[سورة القصص، آية 25]

فقد عبّر القرآن عن مشيها لا بوصف جسدي، بل بوصف نفسي “استحياء”، مما يدل على سمو هذا الخلق في النساء. وامتداح الحياء في المرأة كان حاضرًا في الشعر العربي قديمًا وحديثًا، حيث قيل:

“وما الحُسن في وجه الفتاة إذا عرى… من الحياء وإن تألقت الحُلى”

الحياء في المجتمعات الحديثة

مع تطور المجتمعات الحديثة، شهد العالم تحولات في أنظمة القيم، وبدأ الحياء يُصنّف أحيانًا كخجل مرضي أو علامة على الضعف الاجتماعي. غير أن التحليل السوسيولوجي يشير إلى أن المجتمعات التي احتفظت بمفاهيم الحياء والتقدير في سلوك أفرادها، حافظت أكثر على الترابط الاجتماعي وعلى مستويات منخفضة من الجريمة الأخلاقية.

الحياء في المجتمعات لا يقتصر على الفرد فقط، بل يمكن أن يكون حياءً جماعيًا، حيث تحرص المجتمعات على مراعاة المشاعر، واحترام الأعراف، وعدم تعرية القيم باسم “الحرية المطلقة”، وهو ما يُشكل عامل توازن بين التحرر وضبط السلوك.

أنواع الحياء

يمكن تصنيف الحياء إلى عدّة أنواع بحسب مصادره ودوافعه:

أثر الحياء في بناء الشخصية

الحياء له أثر عميق في تهذيب النفس، وضبط الانفعالات، وتعزيز العلاقات الاجتماعية. الشخص الحييّ يكون أكثر وقارًا، وأدبًا، واحترامًا، فيكسب القبول الاجتماعي والثقة العامة. كما أن الحياء يُعد دافعًا داخليًا للمحاسبة الذاتية، وتقييم السلوك دون الحاجة للرقابة الخارجية.

في تربية الأبناء، يعد غرس الحياء في النفس منذ الصغر من أقوى أدوات الوقاية من الانحرافات. وقد أشار التربويون إلى أن الطفل إذا نُشّئ على الاستحياء من الكذب، ومن رفع الصوت، ومن كشف العورات، نشأ على الانضباط الذاتي.

الخلاصة

الحياء ليس ضعفًا ولا خجلًا ساذجًا، بل هو ركيزة أخلاقية ودينية وإنسانية تعكس وعي الفرد بذاته وبقيمه. تكرار المديح لهذا الخلق في الأدبيات الإسلامية والإنسانية يؤكد أن الحياء ظل وسيظل فضيلة محورية لا غنى عنها في تشكيل الضمير الحي وبناء المجتمعات الراشدة. من لم يكن له حياء، لم يكن له ميزان داخلي يقيه من الانجراف، ومن استمسك به، كان على خُلق عظيم.

المراجع:

1. الغزالي، إحياء علوم الدين، دار الفكر، بيروت.

2. ابن القيم، مدارج السالكين، دار ابن الجوزي.